التأثير الدبلوماسي للمملكة في المجتمعات الأوروبية
منذ عام 2012، أتابع كيف يسعى السفراء في العواصم الأوروبية لإيجاد صوت لبلدانهم داخل المجتمعات الأوروبية بطريقة تتناغم مع مهامهم الدبلوماسية، دون أن تُعتبر تدخلاً في الشؤون الداخلية. يُظهر هذا النشاط الإدراك لأهمية الدبلوماسية كأداة رئيسة في تكوين الصورة الذهنية للدولة وحماية مصالحها، وكذلك التأثير في الرأي العام العالمي.
التفاعل الثقافي والدبلوماسية الناعمة
في كثير من الأحيان، يردني تعليقات من أصدقائي الأوروبيين الذين يتساءلون عن غياب التواصل من بعض السفراء السعوديين مع المجتمعات المحلية، رغم كفاءتهم. هذا الغياب لا يُعتبر تقصيرًا في الجهد الدبلوماسي التقليدي فحسب، بل يُثير تساؤلات حول كيفية انخراط سفرائنا مع المجتمعات المحلية، خصوصًا في زمن تُعتبر فيه القوة الناعمة من أهم أدوات التأثير في السياسات الدولية.
شاهدنا بعض السفراء الأجانب في السعودية ينخرطون مع السعوديين عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مما يعزز الصورة الذهنية لبلدانهم ويصحح المفاهيم المغلوطة حولها، خاصة في الشرق الأوسط. يتفاعل هؤلاء السفراء مع الثقافة العامة بدلاً من الانخراط في السياسة، وهو النهج الذي نفتقده غالبًا في البلدان الأوروبية.
يبقى السؤال: هل يجب أن ننتظر حدوث أزمة سياسية أو اقتصادية لدفعنا للعمل، أم علينا بناء صورة ذهنية استراتيجية على المدى الطويل؟ إن الانفتاح على الفنون والرياضة والمجالات الثقافية يساهم في ترسيخ صورة إيجابية للدولة، جذب الاستثمارات، والتأثير على الإعلام المحلي. تمثل المجتمعات الأوروبية مثالاً جيدًا، حيث تتأثر بما يقدمه المثقفون والصحفيون، والمشاركة في هذه الدوائر تعزز من قدرة الدول على ممارسة التأثير الناعم.
يعكس نشاط السفراء في الفعاليات الثقافية والإعلامية أنهم لا يتجاوزون البروتوكول بل يعرفون ببلدانهم. التاريخ يعطينا أمثلة على سفراء برزوا في هذا المجال، مما يعزز من مكانة بلدانهم في الساحة الدولية.
كيف يمكن لسفرائنا أن يعزّزوا من تأثيرهم بالخارج؟ من خلال إتقان لغات الدول المستضيفة، واستمرار التطوير المهني في فنون التواصل، ودعم وجود مستشارين ثقافيين وإعلاميين. البراعة في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، والمشاركة الأكاديمية في الأحداث الثقافية والإعلامية، تظل من الأدوات الحيوية في بناء علاقات مع المجتمعات المحلية. الطابع الشخصي يلعب دورًا أساسيًا في تعزيز هذه الجهود أيضًا، حيث أن السفير النشيط يترك انطباعًا لا يُنسى.
أخيرًا، لم يعد النشاط الدبلوماسي الخارجي مجرد ترف، بل جزء لا يتجزأ من استراتيجية بناء صورة المملكة وحماية مصالحها. مع رؤية 2030 الطموحة، فإن سفرائنا في الخارج هم مؤهلون ليكونوا ممثلين حقيقيين للثقافة الوطنية ووسائل للإعلان عن الحداثة والتغيير في المملكة. تطور الدبلوماسية يتطلب التكيف مع المستجدات، ومن يفشل في ذلك سيضيع فرصة لإحداث تأثير إيجابي وبناء صورة متجددة للمملكة.
تعليقات