فراق جهاد أبو بيدر: وداعًا لصاحب الغياب المؤلم

وداعًا يا جهاد

أواجه الحزن والأسى في وداعك، يا جهاد. أتأمل في الكلمات التي يمكن أن تعبر عن فراقك، هل أندب حكومات أرهقتنا، أم أندب وطنًا حولوه إلى مجرد مصالح شخصية، أم أندب لوعة الفراق الذي أشعر به الآن؟

فراق العزيز

يا جهاد، كنت رفيق العمر والعمل والمهنة، وصديقًا يُعتمد عليه لم تبخل يومًا في مد يد العون لزملائك أو المواطنين الذين يقصدون المسؤولين. كنت دائمًا تضع الآخرين قبل نفسك، بعزة نفس وإرادة قوية.

كيف سأخبر بناتي يارا ورحمة وتالا، اللواتي كن يفتخرن بك، بل كيف سأخبر زوجتك المجاهدة الصابرة، الدكتورة حنان، وأطفالك عمر ورواد، وشقيقة روحك بيسان، بأنك غادرتنا؟ هل أقول إنك تركتنا فقط، وأنك ستعود؟ أم أقول إنك غبت عنا في وقت كان فيه الصراع على لقمة العيش يشتد، مسببًا لنا الألم والفراق الشديد؟

ماذا أقوى وأنا أشاهدك تغادر إلى عالمٍ أعتقد أنه أفضل، في حين نتخبط هنا في مشاعر غير مستقرة خلفها واقعٍ مُرّ وأمة تعاني من الفساد وانعدام الأخلاق، حيث تسيدت القيم الهابطة المواقع والمناصب؟

كيف سأتعاطى مع خسارتك، وغياب صوتك اليومي عن حياتي، وذكرى اللحظات المشتركة بيننا؟ كيف سأشعر بفقدانك، وأنت من كنت الجسر الذي يربط بين الأصدقاء والزملاء؟ لم يتفطن أحد إلى ما كنت تمثله من قيمة كبيرة، بينما عرفت الكثير من القادرين على إفساد القيم والأخلاق في المجتمع.

قبل أكثر من شهر، أخبرتك أنني أنوي مغادرة البلاد بسبب الأوضاع القاسية. لكنها كانت ردة فعلك، لا تفعل يا أبا رعد، فقد خبرت معانات الغربة. وأنت كنت دائمًا منبع الأمل والتفاؤل، رغم الصعوبات.

أنت يا جهاد، كنت نموذجًا مشرقًا للأشخاص المتطلعين للأفضل، أسلوب حياتك كان مليئًا بالتفاؤل، وتجسد في ثقافتك العالية. أما الذين لم يفهموك، فرأوك بهلوانيًا، لكنني عرفت أنك كنت الحكيم دائمًا.

قد تركت فراغًا لن يُملأ، وطالما ستبقى نبراسًا للكلمة وأمينًا لها. ذكرياتنا المشتركة، من الأفكار التي ناقشناها حول أسماء الزوايا وصفحات الصحيفة، إلى البسمة التي كانت تلازمنا في أصعب الأوقات. كم كنت وفياً وروحك تطمح للمعرفة والتغيير.

والآن، ماذا أقول لكل من يسأل عنك؟ هل أخبرهم أنك تعرضت للاعتقال بسبب شجاعتك في طرح المواضيع المحظورة، مثل الفساد والتهريب؟ أم أصف لهم كم كانت قسوة الأوضاع تعرف حدودك، بينما كانت صداقة وحب الوطن ينضح من روحك؟

أنت، يا جهاد، كنت دائمًا في قلب الشجاعة، وعزيمتك كانت ملهمة. غادرت جسدك، لكن روحك ستظل نابضة معنا. وداعًا، صديقي العزيز، سيبقى حضورك معنا رغم الفراق.