نقص الكوادر والموارد البحثية في الجامعات الناشئة: عائق خفي يهدد تنافسية الاقتصاد السعودي عالمياً
تحقيق التميز الأكاديمي في الجامعات الناشئة بالسعودية
تحقيق التميز الأكاديمي في الجامعات الناشئة بالمملكة العربية السعودية أصبح إحدى التحديات الرئيسية التي تواجه نظام التعليم العالي، خاصة في ظل التوسع السريع الذي شهدته المملكة خلال السنوات الأخيرة كجزء من رؤية السعودية 2030. فقد وضعت الدولة خططًا سابقة لإنشاء جامعة جديدة في مختلف المناطق بهدف توزيع الفرص التعليمية وتعزيز التنمية الشاملة، إلا أن واقع العديد من هذه الجامعات يكشف عن فجوة بين الطموحات المعلنة والواقع الفعلي الذي يواجهه القائمون على هذه المؤسسات.
تميز التعليم العالي
من أبرز العقبات التي تواجه التميز الأكاديمي في الجامعات الناشئة هو نقص الكوادر الأكاديمية، سواء من حيث العدد أو الكفاءة. فالكثير من هذه الجامعات تعاني من صعوبة جذب كفاءات أكاديمية بارزة بسبب ضعف الحوافز وقلة البيئة البحثية مقارنة بالجامعات العريقة أو المؤسسات الأكاديمية العالمية. هذا الوضع يؤدي إلى اعتماد بعض الجامعات على كوادر غير مؤهلة بالشكل الكافي أو على التوسع في التعاقدات المؤقتة دون استقرار أكاديمي فعلي، مما يؤثر سلبًا على جودة التعليم والبحث العلمي.
هناك أيضًا نقص في الموارد البحثية، مما يشكل تحدياً آخر لبناء سمعة أكاديمية قوية لهذه الجامعات. وعلى الرغم من الوعي بمدى أهمية البحث العلمي في دعم الاقتصاد المعرفي وتنمية القطاعات الحيوية، يظل كثير من الجامعات الناشئة تعاني من فاتورة مرافق متطورة أو تمويل بحثي مستدام أو شراكات دولية قوية تحتاجها لتطوير منظومة البحث والمشاركة في الأبحاث التي تلبي احتياجات المملكة الاقتصادية والتقنية.
أشار تقرير منظمة اليونسكو لعام 2024 إلى أن الاستثمار في البحث العلمي والبنية التحتية الأكاديمية يُعتبر من أهم العوامل التي تعزز من تنافسية الجامعات وربط التعليم العالي بالاقتصاد الوطني. وهذا يتطلب من الجامعات الناشئة في السعودية وضع استراتيجيات واضحة لتعزيز بيئتها الأكاديمية وتوسيع قدراتها البحثية، وذلك بما يسهم في دعم مشاريع الدولة الكبرى مثل نيوم وبرامج الذكاء الاصطناعي والطاقة المتجددة.
يرتبط عدم قدرة الجامعات الناشئة على استقطاب الكفاءات الأكاديمية أيضاً بغياب بيئة العمل الجاذبة وضعف الحوافز وبرامج التنمية المهنية وغياب البنية التحتية التي تعزز من فعالية الأكاديميين في أداء مهامهم. هذا يؤدي إلى تراجع مستوى الأبحاث والمنشورات العلمية وتأخر هذه الجامعات في التصنيفات الدولية، رغم أهمية هذه المؤشرات في بناء سمعة أكاديمية قوية وتعزيز وجود الجامعات السعودية على الساحة العالمية.
إن تحقيق التميز الأكاديمي في الجامعات الناشئة ليس خياراً ثانوياً بل هو ضرورة وطنية ترتبط بشكل مباشر بمستقبل الاقتصاد السعودي، الذي يعتمد حالياً على المعرفة والابتكار والتقنية كمحركات رئيسية للنمو. وهذا يتطلب من صناع القرار في وزارة التعليم والجامعات نفسها إعادة تقييم واقع هذه المؤسسات ووضع سياسات جديدة تركز على استقطاب الكفاءات وتعزيز البيئة البحثية وتحسين الحوافز وتطوير البرامج الأكاديمية لتتماشى مع المعايير الدولية.
أخيراً، تواجه المملكة تحديًا حقيقياً يتطلب تحويل الجامعات الناشئة من مؤسسات تعليمية ذات تأثير محدود إلى مراكز أكاديمية وبحثية قادرة على المنافسة والمساهمة الفاعلة في تنمية رأس المال البشري المحلي، مما يسهم في رفع تنافسية الاقتصاد السعودي على المستويين الإقليمي والدولي ويحقق مستهدفات رؤية السعودية 2030 بشكل ملموس.
تعليقات