استعادة قوة الردع الإسرائيلي
يعتبر استعادة قوة الردع من الأهداف الرئيسية التي تسعى إسرائيل لتحقيقها في حربها على غزة، إذ تُعَد هذه القوة عنصراً حيوياً لفرض هيمنتها الإقليمية. تتجاوز أهداف الحرب الأخرى، مثل استعادة الأسرى أو القضاء على المقاومة الفلسطينية، كونها أهدافاً ثانوية مقارنة بالهدف الإستراتيجي الأكبر. تسعى إسرائيل إلى استعادة مكانتها كقوة رادعة تفرض واقعها على محاور الصراع في المنطقة، وبالخصوص على الدول العربية المحيطة بها.
تعزيز الهيمنة الإقليمية
يساهم هذا السعي في تشكيل أسوأ شكل من التوازن للقوى، غير مسبوق في تاريخ العلاقات بين الدول. فالتوازن عادة ما يكون بين قوى تتقارب في إمكانياتها، بهدف تفادي النزاعات؛ لكن إسرائيل تهدف إلى إيجاد توازن مختل يُعزز هيمنتها. تعتمد في استراتيجيتها على استحواذها لعناصر القوة الرادعة، سواء التقليدية أو غير التقليدية، لتقويض أي إمكانية للمواجهة من قبل خصومها. بالتالي، فإن الردع الإسرائيلي لا يرتكز فقط على التحكم بمسارات الصراع، بل أيضاً على إذعان الآخرين لهذه الاستراتيجية، مكافحة أي شكل من أشكال التفوق العربي في المنطقة.
تتجاوز تطورات القضية الفلسطينية أهمية التطبيع مع الدول العربية، حيث تركز السياسة الإسرائيلية على فرض حالة من التبعية تجاه خصومها، تستند إلى سيطرة مباشرة على الشؤون الداخلية لهذه الدول. لم يسبق أن تطورت مثل هذه الديناميكية في العلاقات الدولية، إلا في سياقات استعمارية، مما يجعل الوضع القائم تعبيراً عن هيمنة إسرائيلية ليست فقط على مدى حدودها، بل تشمل الهيمنة على المنطقة بالكامل.
التوجه الإسرائيلي اليوم يسعى لتحقيق مستوى عالٍ من السيطرة، حيث تسعى لإعادة صياغة العلاقات الإقليمية بناءً على مبدأ التبعية القسرية. لن تُحقق إسرائيل أياً من أهدافها من خلال الشراكات التقليدية أو حتى الاتفاقات الموقعة، بل تهدف إلى بناء علاقة قائمة على السيطرة المطلقة، بما يخدم استراتيجيتها التوسعية على حساب جيرانها. في هذا السياق، ترغب إسرائيل في تجهيز نفسها ضد أي اختبارات لفقدان هذه الهيبة التي تستمدها من قدرة ردعها.
إسرائيل تبذل قصارى جهدها لتجنب تكرار ما حدث في السابع من أكتوبر 2023، فهي ليست فقط معنية بمنع الفلسطينيين من استغلال الفرص الهشة، بل تسعى إلى ضمان عدم اختبار هيبتها من قبل أي طرف في المنطقة. إن وجود إسرائيل واستمرار بقائها يعتمد على قدرة هذه الاستراتيجية على خلق بيئة من الهيمنة، وليس على الاعتراف من قبل جيرانها.
في النهاية، تسعى إسرائيل إلى تحقيق أهدافها من خلال بناء قاعدة قوة رادعة تفرض قيودا على تغييرات الوضع القائم، مما يضمن لها إمكانية التوسع على حساب استقرار المنطقة وسلام العالم بأسره. هذه الاستراتيجية تتجاوز مجرد السيطرة على فلسطين، بل تهدف إلى إعادة تشكيل الهوية الإقليمية بأكملها، مما يعكس تحديات كبيرة للعلاقات الدولية المستقبلية.
تعليقات