برزت صناعة الملح في المملكة العربية السعودية كواحدة من الموارد الإستراتيجية البارزة ذات العائد الاقتصادي المتزايد، في ظل الاتجاهات الاقتصادية الحديثة. حيث أصبح “الذهب الأبيض” سلعة تنافسية تدعم الأسواق المحلية والدولية، مما يعزز من مكانة المملكة في سلاسل الإمداد الصناعية والغذائية والطبية على مستوى العالم.
تطور سريع في قطاع الملح بدعم من وزارة الصناعة
شهد قطاع صناعة الملح في المملكة تحولًا ملحوظًا في السنوات الأخيرة، مدعومًا بمبادرات وزارة الصناعة والثروة المعدنية التي أطلقت رخصًا متعددة تشمل مسح الأراضي الجيولوجية وتشغيل المصانع في مختلف مناطق المملكة. حيث أثمر هذا الجهد عن تشغيل 27 مصنعًا وطنيًا حتى منتصف عام 2025، مما أدى إلى إنتاج الملح الخام وتغذية الأسواق بقيمة تعادل حوالي 3.7 مليارات ريال سعودي. وامتدت صادرات الملح السعودي من الاستخدامات الصناعية والغذائية إلى 18 دولة، من بينها: الأردن والإمارات والبحرين والسودان وغيرها، حيث تجاوزت قيمة هذه الصادرات 18 مليون ريال سعودي خلال الفترة من 2024 حتى منتصف 2025، ما يعكس جودة المنتج وقدرته التنافسية.
الموارد الطبيعية في المنطقة الشرقية
تُعتبر المنطقة الشرقية الواجهة الرئيسية لاستخراج الملح في المملكة بفضل وجود سبخات طبيعية تمتد على طول الساحل الشرقي. ومن أبرز هذه السبخات سبخة رأس القرية في محافظة بقيق، التي تميز بجودة ملحها الطبيعي. تعتمد عملية استخراج الملح البحري في السعودية على تقنيات صديقة للبيئة، تبدأ من تبخير مياه البحر والمطر في السبخات المالحة خلال فصل الصيف، ثم جمع الرواسب الملحية وتجهيزها للتوزيع. كما يتم استخراج الملح من مناجم الصخور الغنية بالهاليت، حيث تُعالج هذه المواد وفق المعايير الصناعية لإنتاج ملح الطعام والمضافات الصناعية.
يلعب إنتاج الملح في المملكة دورًا حيويًا في دعم الصناعات التحويلية والبتروكيميائية، بالإضافة إلى الصناعات الغذائية والدوائية، لتحويل الملح الخام إلى منتج نقي يحتوي على أكثر من 99% من كلوريد الصوديوم، مما يجعله مناسبًا للتطبيقات الحساسة.
استراتيجية التحول الاقتصادي 2030 في صناعة الملح
وفي هذا الإطار، أكد المدير العام لشركة مسفر للتعدين والخدمات اللوجستية، أهمية صناعة الملح كأحد مرتكزات قطاع التعدين السعودي. حيث اعتُبر التعدين قطاعًا أساسيا لتحقيق رؤية المملكة 2030، المتمثلة في تنويع مصادر الدخل وخلق فرص عمل جديدة. وأوضح أن تكوين الملح في سبخة رأس القرية يعود إلى آلاف السنين، حيث كانت مياه الخليج العربي تتدفق نحو السبخات الرملية وتجف تحت أشعة الشمس مكونة رواسب ملحية.
أنواع الملح وظروف الإنتاج
أشار المتخصص في التعدين إلى وجود نوعين رئيسين من الملح في المملكة: الملح الصخري وهو الأكثر جودة مناسب للاستخدامات الصناعية والتغذوية، والملح الناتج عن تبخير المياه الجوفية، الذي يكون أقل جودة. وتساعد المسوح الجيولوجية الدقيقة في تحديد الأماكن الأنسب للاستخراج، مع التركيز على سبخات استراتيجية مثل سبخة رأس القرية، التي يُقدَّر مخزونها القابل للتجدد بأكثر من خمسة ملايين طن من الملح الخام.
مع استمرار نمو هذا القطاع الحيوي، تبرز المملكة العربية السعودية كدولة تمتلك ثرواتها الطبيعية التي تتجاوز النفط، حيث تمتد لتشمل موارد معدنية استراتيجية، ويواصل هذا القطاع التوجه نحو الريادة العالمية، مدعومًا برؤية طموحة تهدف إلى توظيف موارده بكفاءة وزيادة تنافسية الاقتصاد الوطني.
تعليقات