التقاعد: انطلاقة جديدة من خلال استثمار الخبرات

كبار السن ودورهم في المجتمع بعد التقاعد

في العديد من المجتمعات، يُنظر إلى التقاعد كنهاية لمشوار العمل، مما يؤدي إلى فقدان الكثير من المتقاعدين لمكانتهم الاجتماعية ورغبتهم في المساهمة. مع أن التقاعد يشير إلى الضغط النظامي للخروج من العمل، إلا أنه ينبغي أن لا يُعتبر نهاية المشاركة في الحياة المهنية أو المجتمعية.

الانتقال من العمل إلى الإرشاد

يعتبر المتقاعدون شريحة مهمة تعزز بمخزون هائل من الخبرات المكتسبة على مدار السنين. هذه التجارب تتجاوز ما يمكن تعلمه في المؤسسات التعليمية أو من خلال الدورات التدريبية، حيث يحملون في جعبتهم معرفة قيمة تجسد تاريخ المؤسسات والمهن. لذا، من المهم عدم تجاهل تلك القيمة بسبب بلوغهم سن التقاعد.

رغم وضوح الحاجة إلى خبراتهم، إلا أن العديد من المتقاعدين يجدون أنفسهم في حالة من العزلة المهنية والاجتماعية، الأمر الذي قد يؤثر سلبًا على صحتهم النفسية ويدفعهم للشعور بعدم الجدوى. وفي الوقت نفسه، هناك حاجة ملحة للاستفادة من تلك الخبرات في عالم سريع التغير.

لذا، ما الذي يمنعنا من إطلاق العنان للاستثمار في طاقاتهم؟ ماذا لو اعتبرنا التقاعد فرصة لبداية جديدة بدلاً من كونها نهاية؟

يمكن إنشاء مبادرات مرنة تنغمس فيها طاقات المتقاعدين الذين يرغبون في الاستمرار وتحقيق العطاء. من الممكن تقديم بيئات عمل تراعى فيها احتياجاتهم الشخصية وتعزز استقلاليتهم، مما يمكنهم من استخدام مهاراتهم في مجالات تناسبهم.

تخيل وجود متقاعدينٍ يعملون كمستشارين فخريين أو يقودون حاضنات أعمال، أو يديرون مكاتب تدريب وفرق تقييم وتطوير إداري. بهذا الشكل، يكون التقاعد بمثابة عتبة للدخول إلى العمل الاستشاري أو الإرشادي، مع تعزيز استمرارية الفائدة التي يمكن أن يقدمها هؤلاء الأفراد.

لا يمكننا الحديث عن استثمار هؤلاء المتقاعدين دون التطرق إلى العلاقة بين الأجيال. فهناك فجوة واضحة بين الجيل الجديد المليء بالحماسة والطموح، والجيل الأكبر الذي يتمتع بالخبرة والرؤية. وما يحتاجه المجتمع هو التنسيق بين هاتين الفئتين بدلاً من الصراع الذي قد ينشأ بينهما.

لا يُعد الحل في إقصاء أي من الطرفين، بل يجب التركيز على التكامل: حيث يمتلك الجيل الشاب الطاقة والسرعة، بينما يكن للأكبر سناً الخبرة والرؤية النقدية. نحتاج لخلق بيئات عمل تجمع بين هذه العناصر إذ تمنح كل جيل فرصة للمشاركة الفعالة.

نحن بحاجة إلى تحول فكري في كيفية التعامل مع المتقاعدين، من منظور “التهميش” إلى “الاستثمار الفعلي”. يتطلب الأمر دعماً من المجتمع أو الحكومة أو شراكات تستهدف تعزيز دورهم وتمكينهم من اتخاذ القرار بشأن العودة إلى العمل بما يتناسب مع خبراتهم.

ختاماً، المتقاعد ليس مجرد رقم يُسجل في قائمة المنتهين، بل هو فصل هام في تاريخ الوطن يجب إعادة النظر فيه بشكل إيجابي، وعلى المجتمع أن يمنح الفرصة لمن يمتلك القدرة على العطاء، ليكون جزءاً من بناء وطن لا يترك أحداً وراءه.