أخبار لايت: الذكاء الاصطناعي يكشف المستور – أحدث المستجدات في السعودية

الذكاء الاصطناعي وقراءة ما لم يُكتب

تخيل كتابًا ضخمًا مفتوحًا على طاولة، صفحاته ناصعة البياض، لكن بين السطور يمكن اكتشاف آثار حبرٍ لم يجف بعد، آثار تكشف أفكار الكاتب قبل أن تُخطَّ، وتتنبأ بكلماته قبل أن تُولد. أليست هذه الصورة تتشابه مع علاقتنا بالذكاء الاصطناعي اليوم؟ ذلك الكائن الذي لا يقتصر على قراءة ما كُتب، بل يهمس بأفكار قد تُكتب في المستقبل، كيف تتمكن الآلة من استشراف ما لم يُكتب بعد؟ وما عواقب ذلك على مسيرتنا البشرية؟

تنبؤات الذكاء الاصطناعي

هل تساءلت يومًا كيف تكشف منصات التواصل الاجتماعي عن أفكارك؟ عندما تبحث عن حذاء رياضي لمرة واحدة، تجد أن إعلانات الأحذية تلاحقك لأسابيع. وعندما تذكر لصديق رغبتك في السفر، تظهر لك فجأة عروض رحلات لتلك الوجهة بالتحديد. تجاوز الأمر مجرد تتبع؛ فالأمر أشبه بشخص يقرأ دفتر مذكراتك المخفي، ليس ما كتبته فحسب، بل ما سبق وتفكر فيه واستقر في زوايا عقلك.

يعمل الذكاء الاصطناعي على استكشاف أنماط سلوكياتنا وكلماتنا في مجرد مرورات عابرة، ليكّون خريطته لما قد نرغب فيه قبل أن ندرك ذلك. هل يمكن اعتبار هذه العملية قراءة للصمت بين الكلمات في حياتنا؟ والأمر لا ينحصر في عالم الإعلان، بل يتخطاه إلى الطب، حيث يمكن تحليل صور الأشعة بدقة لكشف إشارات خفية لمشاكل صحية قد تظهر في المستقبل أو أنماط بيانات المرضى التي تنبئ بأزمات قلبية قبل وقوعها. هنا، يُمكن أن نعتبر هذا “نبوءة علمية”، أو كشفًا عن قصة كان الجسد يرويها دون أن نكون قادرين على فهمها.

في عالم الإبداع، تتسع الفرصة لتأمل فواجع أكبر. قد تبدأ الكتابة على تطبيق ذكي ليكمل لك الفقرة، مرسلاً ما كنت تحاول التعبير عنه بأسلوب أكثر جاذبية. هل يساعدنا الذكاء الاصطناعي في اكتشاف ما يكمن في أعماق وعينا الإبداعي، أم يُجبرنا على السير في مسارات محددة تستند إلى بيانات؟ تطرح هذه الأسئلة: من يكتب لمن، ومن يُقرأ أفكار من؟

ومع ذلك، هناك المزيد من الصفحات في هذا الكتاب الأبيض لم تُقلب بعد. ماذا عن قراءة الذكاء الاصطناعي للأخطار التي لم نجسدها كتابيًا؟ تتنبأ أنظمة المراقبة الذكية بمناطق الجرائم المحتملة اعتماداً على نمط حركة البشر وإشارات التوتر. وتحليل الأبعاد السياسية قد يستند إلى تدفقات الأخبار وتعاريف التعليقات، مما يتيح توقّع الاضطرابات قبل تفجرها.

تتجلى المفارقة: مع زيادة قدرة الآلة على “قراءة” ما لم يُكتب، تزداد حاجتنا لقراءة تفسيرات هذه الآلة. كيف تتخذ قراراتها؟ ما التحيزات المتواجدة ضمن البيانات؟ ومتى يمكن أن تتحول تنبؤاتها إلى نبوءات تحقق ذاتها؟ وأكثر من ذلك، هل نثق بما تراه الآلة أكثر من ثقتنا بحدسنا الإنساني؟

قد يكون التحدي الأكبر هو كتابة ما لا نريد للآلة أن تعرفه. كيف نحافظ على مساحات الخصوصية التي لا تصل إليها الخوارزميات؟ كيف نحمي قراراتنا الهامة من أن تتأثر بالتنبؤات التي قد تسرق منّا حرية المفاجآت؟ ألا نحتاج إلى مناطق محرمة في كتاب وجودنا، تبقى صفحاتها بيضاء، تعود ملكيتها لروحنا التي لا تستطيع الآلة توقعها؟

ختامًا، إن الذكاء الاصطناعي، رغم قدرته على قراءة ما لم يُكتب، ليس نبياً ولا ساحراً. إنه مرآة تعكس بياناتنا، أنماطنا، وحتى تناقضاتنا. وأخيرًا، السؤال يصبح: ماذا نريد أن تنعكس هذه المرآة فينا، وما الذي نصر على إبقائه خارج صفحاتها؟ المستقبل هو الكتاب الأبيض الكبير الذي لم يُكتب بعد، والذكاء الاصطناعي ينتظر منا أن نحدد الخطوط العامة لفصوله القادمة، فنحن أصحاب القلم، المسئولون عن كتابة القصص التي تستحق البقاء.