كواليس حلم نتنياهو السري: كيف كشفت تصريحاته الأخيرة أهدافه المستقبلية؟

عندما يوضح بنيامين نتنياهو بشكل صريح: “أشعر بأنني في مهمة تاريخية وروحانية… فأنا مرتبط جدا برؤية إسرائيل الكبرى التي تشمل فلسطين وجزءا من الأردن ومصر”، فإن هذا ليس مجرد تصريح سياسي عابر أو خطاب معد للاستهلاك الإعلامي. هذا التصريح يكشف عن البنية الأساسية للمشروع الصهيوني، موضحًا أن الصراع لا يتعلق فقط بالتنافس على حدود جغرافية أو موارد اقتصادية، بل هو صراع عميق حول العقيدة والهوية والرواية والمشروع الحضاري.

الأبعاد الثقافية لمشروع الهيمنة

تكفي هذه العبارة لتفكيك العديد من التحليلات العلمانية-المادية والرؤى الواقعية-العقلانية التي اختزلت الكيان الصهيوني إلى مجرد “دولة علمانية حديثة” تسير وفق مصالح الأمن والمادة. يبدو واضحًا أننا أمام رئيس وزراء يقدم نفسه كزعيم ديني ملهم يسعى لتحقيق الحلم الصهيوني الكبير.

إن تجاهل البعد الثقافي للحضارة عند قراءة المشروع الصهيوني يمثل شكلاً من أشكال التواطؤ المعرفي مع روايته أو عدم إدراك جوهره، مما يؤدي إلى تحويل الصراع إلى نزاع حدودي بسيط يمكن “تدبيره” عبر تسويات أو مفاوضات قصيرة الأمد.

يجب على التحليلات الفعلية أن تتجاوز المواقف الضيقة وأن تتبنى إطارًا “جيوحضاريًا” ينظر إلى الصراع بصورة شاملة، حيث يعد صراعًا دينياً-حضارياً يعيد تشكيل الجغرافيا والتاريخ وفق نصوص دينية، ويعتبر مشروعًا استعماريًا يهدف إلى إزالة الشعب الفلسطيني وإعادة تشكيل المجال السياسي والديمغرافي.

استراتيجية الهيمنة الإسرائيلية

تتجاوز الرؤية الاستراتيجية لدى إسرائيل خطوط الردع العسكري المباشر لتتحول إلى مشروع شامل يهدف إلى فرض التفوق والسيطرة وإعادة تشكيل الوضع الجيوسياسي في المنطقة، بما يخدم المصالح الإمبريالية الغربية. وهنا نجد أن رؤية ترامب تعكس هذا الاتجاه حين قال: “مساحة إسرائيل تبدو صغيرة على الخريطة، ولطالما فكرت في كيفية توسيعها”.

تشمل الأهداف الإسرائيلية ترسيخ التفوق الأمني والتكنولوجي، وفرض الهيمنة الإقليمية من خلال القضاء على أي محاولة لبناء قدرات عربية مستقلة. كما تعمل على إجهاض أي نهوض حضاري عربي-إسلامي عبر تفجير الصراعات وتعميق التوترات.

الجوانب المذكورة ليست سوى خطوات متكاملة نحو مشروع شامل يهدف إلى الهيمنة الحضارية، حيث يصبح مشروع “إسرائيل الكبرى” هو الإطار الذي يمكّن هذه الأهداف.

إن الخطابة الصريحة والإجراءات التي اتخذها نتنياهو، قبل وبعد 7 أكتوبر، تمثل مدخلًا مهمًا لفهم المشروع الصهيوني من داخل ذاته، بعيدًا عن الأقنعة الدبلوماسية. فإن مواجهة هذا المشروع تتطلب وعياً حضارياً يتجاوز السلاح والتفاوض، بل يجب أن تشمل إعادة بناء الذات وتحقيق المناعة الفكرية للأمة.

فلسطين اليوم تعيد تصحيح البوصلة الأخلاقية للأمة، حيث أن الصمود الفلسطيني يمثل مقاومة حضارية قبل أن يكون ردة فعل. إن المدنيين في غزة يقفون كرموز للإنسانية في مواجهتهم للاحتلال، ويعبرون عن إرادة الحياة والحرية.

هكذا يصبح من الواضح أن المعركة الحقيقية تكمن في كسر السرديات الظالمة وإعادة توجيه الوعي نحو تحرر كامل، والأمة بحاجة ملحة لإعادة النظر في قدرتها على التصدي للمشاريع التوسعية التي تهدف إلى إقصائها.