سنة إضافية في التعليم: أزمة ثقة جديدة تلوح في الأفق

تحديات تعيين المعلمين في النظام التعليمي

أثارت قرارات وزارة التعليم حول عدم تعيين المعلمين إلا بعد قضاء عام كامل في معهد تطويري عقب انتهاء البكالوريوس جدلاً واسعاً في المجتمع. فقد كان الخريجون الذين أكملوا دراساتهم الجامعية ينتظرون العمل في المدارس، إلا أن قرار الوزارة وضعهم في مسار يؤجل دخولهم للمهنة. يدافع المؤيدون للقرار عن فكرته باعتبارها وسيلة لفرز الأكفأ، حيث يُمنح من يجتاز السنة فرصة التوظيف، فيما يُستبعد من لا يثبت أهليته. يستشهد هؤلاء بمعدلات القبول السابقة في كليات التربية التي كانت تعتمد على مستوى منخفض من التحصيل الثانوي. ومع ذلك، يبقى السؤال: هل هذا الإجراء هو الحل الأمثل، أم أنه يتضمن مشاكل أعمق في النظام التعليمي ذاته؟

إعادة هيكلة نظام التعليم

إن طلب الفرز والاختيار يعدّ مطلبًا مشروعًا، حيث إن مهنة التعليم لا تحتمل المجاملات. لكن من الأجدر أن يكون هذا الفرز عند مدخل الجامعة وليس بعد التخرج. إذا كانت كليات التربية مفتوحة للطلاب غير المؤهلين، فإن الحل الأفضل هو رفع معايير القبول من الأساس، بدلاً من ترك الطالب يقضي أربع سنوات ثم يُطالب بالانتظار عامًا إضافيًا لتحديد صلاحياته. إن هذه الازدواجية تُضعف الحافز لدى الشباب وتُعطي انطباعًا سلبيًا للمجتمع، بأن شهادة الجامعة لم تعد كافية رغم الإشراف المباشر للوزارة عليها. يظهر هنا تناقض مؤسسي حيث أن الوزارة المختصة بالمناهج هي نفسها التي تشرف على الجامعات وتضع سياسات التوظيف. إذا أعلنت عن عدم تأهيل خريجي الجامعات للتدريس، فإنها بذلك تشكك في جودة عملها. تحقيق الثقة في المؤسسة التعليمية يتطلب من الوزارة أن تتحمل مسؤوليتها في التنسيق بين مختلف أجهزتها.

نظرة إلى التجارب العالمية توضح الفرق. ففي فنلندا، على سبيل المثال، لا يُسمح بالدخول إلى مهنة التعليم إلا بعد الحصول على درجة الماجستير في التربية، وهو مسار متكامل يبدأ منذ اليوم الأول من الدراسة. وكذلك في سنغافورة، حيث تتعاون كليات التربية في الجامعات مع الوزارة لتكييف البرامج الدراسية مع احتياجات الميدان، مما يلغي الحاجة لمعهد تطويري مستقل. وفي كندا، يتلقى الطالب تدريبًا ميدانيًا طويلًا تحت إشراف الجامعات، فضلًا عن الحصول على رخصة تدريس مهنية فورية.

توضح هذه النماذج أن التطوير يجب أن يتم من خلال بناء شراكة قوية بين الجامعات والمدارس تحت إشراف وزارة واحدة، وليس عن طريق إجراء إضافي بعد التخرج. إذا أرادت الوزارة فرزًا حقيقيًا، يتعين عليها وضع معايير صارمة في بوابة القبول الجامعي، وجعل التدريب جزءًا لا يتجزأ من المناهج الدراسية، بحيث يكون التخرج بمثابة شهادة كفاءة نهائية. عندها سيصبح التطوير المهني مساراً مستمرًا يُرافق المعلم في حياته الوظيفية وليس عقبة أمام دخوله للمهنة.

وفي الوقت الراهن، يبدو من الضروري تعيين المعلمين الذين استوفوا جميع الشروط فورًا، فلا فائدة من إبقائهم في دائرة الانتظار. المدارس بحاجة إلى كادر مؤهل، والشباب بحاجة إلى الدعم والثقة. إن تأجيل التعيين يؤثر سلبًا على كلا الجانبين.

على المدى الطويل، تبقى هناك حاجة ملحة لرفع معايير القبول في كليات التربية، وتعزيز التدريب العملي داخل الجامعات، وجعل التخرج شهادة كفاءة معتمدة، وتحويل التطوير المهني إلى مسار مستمر بعد التعيين. هذه الخطوات كفيلة بإعادة الثقة إلى الجامعات والمعلمين، ووضع التعليم السعودي على المسار الذي يليق بطموحات الوطن.