فيم حامد الحامد محلل استراتيجي
أعادت المملكة العربية السعودية تثبيت وجودها في صلب دائرة صنع القرار العالمي في نيويورك خلال الساعات الأربع والسبعين الماضية، حيث حققت إنجازات جيوسياسية استراتيجية تمثلت في إعلان اعتماد الوثيقة الختامية لمؤتمر حل الدولتين. تتضمن هذه الوثيقة مقترحات شاملة تغطي المحاور السياسية والأمنية والإنسانية والقانونية، مما يشكل إطاراً متكاملاً لتطبيق حل الدولتين. يأتي ذلك بالتزامن مع إعلان بريطانيا التاريخي بالاعتراف بالدولة الفلسطينية في سبتمبر، وإقرار كندا ومالطا بدعم مماثل، فضلاً عن اعتراف فرنسا السابق. وقد جاءت هذه التحركات نتيجة دبلوماسية متعددة الأطراف قامت بها السعودية، مما عزز من دورها كمشارك فعال في استقرار المنطقة وضامن للسلام العالمي.
فتح الأبواب أمام الاعتراف الدولي
لم تكن السعودية بعيدة عن المشهد الفلسطيني الدولي، بل كانت دائماً حاضرة في تحولات الصراع العربي الإسرائيلي. بذلت جهوداً متواصلة من أجل تثبيت الحقوق الفلسطينية والاعتراف بالدولة الفلسطينية. في الآونة الأخيرة، دعمت المملكة نشاطها الدولي ولعبت دوراً حاسماً في تغيير توجهات بعض الدول الكبرى تجاه القضية الفلسطينية. هذه الحركة الدبلوماسية نجحت في تعزيز حضور السعودية، مما سمح لها بإيصال الرسائل الكبيرة إلى العواصم الغربية بطريقة محترمة ومقبولة. كما ساهمت في صياغة مواقف مؤيدة للحق الفلسطيني ضمن الأمم المتحدة، مما أجبر بعض الدول على إعادة تقييم سياساتها تجاه القضية الفلسطينية.
مبدأ العدالة والاستقرار
استفادت المملكة من علاقاتها القوية مع الدول الكبرى مثل فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة، لتدعيم موقفها المتوازن؛ إذ كانت رسائل الرياض واضحة: لا سلام دون حل عادل للقضية الفلسطينية، ولا تنمية من دون استقرار. تشدد المملكة على أنه يجب على الدول الراغبة في الاستثمار في المنطقة العمل على تحقيق السلام، والاعتراف بالدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، مما يفتح الأبواب لعملية التطبيع وتطبيق الحقوق الفلسطينية المهدرة. بالمجمل، التزمّت السعودية بنهج الحل السلمي، معززة قيم التسامح والتفاهم بين الثقافات، مما جعل خطابها الدولي مقنعاً ومتزناً، وأدى إلى تعزيز ضغوط الرأي العام الأوروبي لفتح باب الاعتراف بالدولة الفلسطينية.
الإقرار الفرنسي والبريطاني كجزء من التحولات
مع تلك التحولات في موازين القوى العالمية، لمست المملكة ضرورة إعادة توجيه الرأي الدولي لصالح القضية الفلسطينية، خاصةً بعد تصاعد الكوارث في غزة. يسهم الاعتراف المحتمل من قبل بريطانيا بكيان الدولة الفلسطينية في تعزيز جهدها الدائم لدعم الحقوق الفلسطينية. يتزامن هذا مع تزايد الوعي العالمي والعربي بأهمية الوحدة والدعم العربي للقضية الفلسطينية، مما يعكس تحولاً في موقف بعض الدول الأوروبية لصالح العدالة وحقوق الشعوب. يعكس ذلك كسر الحواجز التقليدية للانحياز الغربي لإسرائيل ويدعم القواعد القانونية والسياسية التي تعزز الاعتراف بالدولة الفلسطينية.
التغيير في الخطاب الدولي
ينبغي الإشارة إلى التغيرات العميقة في الخطاب السياسي الأممي الذي يتجه نحو تعزيز تمثيل فلسطين داخل الأمم المتحدة. مع زيادة عدد الدول المعترفة، تزداد احتمالية نيل فلسطين العضوية الكاملة مما يعيد ترتيب أولويات الملفات الشرق أوسطية، ويضع الأسس لمفاهيم العدالة والسلام بناءً على اعتراف دولي واسع. يمثل هذا تحولاً استراتيجياً يحتاجه الشرق الأوسط، مما يعكس إعادة صياغة الأسس القانونية والأخلاقية لمبادئ العدالة الدولية، ويعد انتصاراً للدبلوماسية العربية، خاصةً التي تقودها المملكة السعودية، في سعيها نحو تحقيق سلام شامل ومستدام.
تعليقات