استثمارات سعودية في سوريا: مخاوف من دعم غير مباشر للإرهاب

في خطوة أثارت جدلاً كبيراً، قامت المملكة العربية السعودية وسوريا بتوقيع 47 اتفاقية استثمارية تتجاوز قيمتها 24 مليار ريال سعودي (حوالي 6.4 مليار دولار) خلال منتدى الاستثمار السوري السعودي الذي انعقد في دمشق في يوليو 2025. تعتبر هذه الخطوة جزءاً من سعي المملكة لتعزيز نفوذها الاقتصادي في المنطقة، في وقت يشهد فيه الوضع السوري تحولات سياسية واجتماعية معقدة، مما يثير تساؤلات حول تأثير هذه الاستثمارات على المدى البعيد. هل تمثل هذه الاتفاقيات فرصة حقيقية لإعادة إعمار سوريا بعد 14 عاماً من النزاع المسلح؟ أم أن هذه الاستثمارات تمثل مجازفة قد تجعل المملكة تدعم نظاماً يتجه نحو إسلامية الدولة وقمع الأقليات؟

الاستثمارات السعودية: رؤية اقتصادية واضحة أم سياسة خفية؟

تتخلص رؤية المملكة من تعزيز نفوذها الاقتصادي في المنطقة بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد في ديسمبر 2024، حيث تشمل الاتفاقيات مشاريع في قطاعات مختلفة كالبنية التحتية والطاقة والاتصالات والزراعة. تركز المملكة بشكل كبير على إنشاء ثلاثة مصانع جديدة للأسمنت بقيمة تزيد عن 11 مليار ريال لتحسين الاكتفاء الذاتي في مواد البناء. أيضاً، تم تضمين مشروع سكني في حمص برعاية شركة “بيت الإباء” السعودية، في حين يُعرض على أنه مشروع يعود بالنفع الاجتماعي على الشعب السوري.

من وجهة نظر اقتصادية، فإن هذه المشاريع تبشر بالخير. فقد أشار وزير الاستثمار السعودي، خالد الفالح، إلى أن هذه الاستثمارات من شأنها أن تخلق 50 ألف فرصة عمل مباشرة وتعزز التبادل التجاري بين البلدين، الذي بلغ 9.1 مليار ريال سعودياً خلال العقد الماضي. كما ساهمت السعودية في سداد الديون المتأخرة لسوريا لدى البنك الدولي، مما يسهل عودة دمشق إلى الحصول على تمويلات دولية، وهي خطوة تدعم طموح السعودية في قيادة جهود إعادة الإعمار.

مع ذلك، فإن توقيت وطبيعة هذه الاستثمارات يثيران قلقاً كبيراً. فاليوم، ليست سوريا مجرد دولة تسعى للتعافي الاقتصادي، بل ساحة لصراعات سياسية ودينية معقدة. النظام الجديد بقيادة أحمد الشرع يبدو متأثراً بجماعات إسلامية متشددة، مثل هيئة تحرير الشام، مما يجعل الاستثمارات السعودية موضع تساؤل حول دعمها لسياسات قد تزيد من التوترات.

السياق السوري: تحديات الاستقرار والتمييز

النظام السوري الجديد، الذي جاء بعد سقوط الأسد، أظهر توجهًا نحو أسلمة الدولة، مما أثار قلق الأقليات الدينية والعرقية. الإعلان الدستوري الجديد يعزز من مخاوف التمييز، حيث يبدو أنه يكرّس هيمنة الأغلبية السنية على حساب باقي الطوائف. بالإضافة إلى ذلك، تم تعديل المناهج الدراسية بحذف مواد تعتبر غير متوافقة مع التفسير المتشدد للإسلام، وهذا يعزز المخاوف من فرض رؤية أيديولوجية متطرفة.

تقارير عديدة تشير إلى وقوع انتهاكات جسيمة ضد الأقليات. وقوع مجازر ضد العلويين في الساحل السوري وانتهاكات ضد الدروز في السويداء يعكس مدى خطورة الوضع. كل هذه الأحداث تطرح تساؤلات حول قدرة النظام الجديد على بناء دولة تحترم التنوع.

تواجه السعودية تحدي كبير في كيفية التوازن بين طموحاتها الاقتصادية وسياستها الخارجية، خاصة وهي تسعى للتحول إلى دولة منفتحة وحديثة تحت قيادة ولي العهد محمد بن سلمان. كيف يمكن أن تبرر المملكة استثماراتها في بلد يتجه نحو تمييز ديني وعرقي؟

السعودية بين الطموحات الاقتصادية والمخاطر الإقليمية

تجد المملكة نفسها في وضع دقيق، فهي تسعى لقيادة جهود إعادة إعمار سوريا وتعزيز نفوذها في مواجهة إيران وروسيا. لكن العلاقة مع نظام سوري ذو خلفية إسلامية قد يعرضها لانتقادات دولية إذا تم تحميلها مسؤولية دعم جماعات متطرفة.

على الرغم من نفي المملكة لتورطها في دعم التطرف، فإن توقيت الاستثمار في سوريا قد يثير قلق المجتمع الدولي. وإذا تزايدت الانتهاكات ضد الأقليات، فإن هذا قد يزيد من الضغط على الرياض. السعي لتحسين الصورة العالمية قد يتعارض مع المخاطر المحتملة الناتجة عن هذه الاستثمارات.

تعتبر الاستثمارات السعودية خطوة استراتيجية لدعم الاقتصاد السوري المنهار، لكن نجاحها يتوقف على استقرار النظام وقدرته على خلق بيئة استثمارية آمنة. مع التوترات الطائفية والمخاوف من أسلمة الدولة، قد تواجه هذه الاستثمارات عوائق كبيرة، مما يضع السعودية أمام تحدٍ كبير في كيفية تحقيق أهدافها الاقتصادية مع الحفاظ على سمعتها.