بيت الست وسيلة: متاهة الأسرار وجمال المشربيات
في قلب شارع المعز، وعلى بُعد خطوات من ضجيج الحياة اليومية، يبرز “بيت الست وسيلة”، أحد أبرز المعالم الأثرية في القاهرة القديمة، ليحكي قصة زمن مضى، ويظل يحتفظ بروح الماضي. يعود تاريخ هذا المنزل إلى عام 1664 ميلادية، حيث أسسه عبد الحق الأنصاري، أحد أبرز الشخصيات في تلك الحقبة العثمانية. لكن الاسم الذي عُرف به المكان هو “الست وسيلة هانم”، آخر من سكنه، والتي اشتهرت بكونها شخصية قوية، مثقفة ومحترمة في المجتمع.
عند خطوة واحدة إلى داخل البيت، يشعر الزائر وكأنه انتقل إلى متاهة معمارية مصممة لحماية أسرار العصور الماضية. تميزت المداخل والمخارج بالترابط والتعقيد، فضلاً عن السلالم التي تصعد وتهبط، مما يمنح المكان طابعاً غامضاً وساحراً. في قلب هذه المتاهة، يبرز “صحن الدار” كمنطقة نابضة بالحياة، حيث يتسلل النور من فتحة في السقف، ليضيء الفناء ويعكس براعة المعمار. يحيط بالصحن مشربيات خشبية منقوشة تعكس جمال الفن المصري التقليدي.
واحدة من اللافتات الفريدة في هذا البيت هي وجود بئر مياه في منتصفه، الذي كان يمثل مصدر الحياة اليومية للسكان في شتى احتياجاتهم. نقطة بسيطة ولكنها كانت مركزًا لذكريات وحكايات لا تنتهي.
مملكة الست وسيلة الخاصة
أما عن منطقة “الحرملك”، فهي تشكل مملكة الست وسيلة، وتجسد الرفاهية التي تفوقت على عصرها. يضم هذا الجناح حمامًا بخاريًا لا يزال قائمًا حتى يومنا هذا، والذي يمثل النسخة العثمانية الأصلية لما يُعرف حالياً بـ”السبا”، ويعكس ذوقاً رفيعاً في التصميم.
اليوم، لم يعد البيت مجرد معلم أثري، بل تحول إلى مقر لـ”بيت الشعر العربي”، حيث يرتاد الشعراء والمثقفون المكان لتبادل الأفكار والكلمات، مبقين على روح الثقافة حية بين جدرانه.
إن “بيت الست وسيلة” يجسد حكاية مكتوبة بالحجر والخشب والماء والنور، ومن يزوره يتلمس عبق القاهرة القديمة التي ما زالت تتنفس بين أحجاره.
تعليقات