بين الوهم والإنكار: آفاق مستقبل السلاح ودور ‘المحور’ في الجدل المحلي

كتب: عريب الرنتاوي * وضعت الجولة الأعنف والأكثر خطورة من المواجهة بين إيران وكل من “إسرائيل” والولايات المتحدة أوزارها، وتلاشت غمامة الهجمات الجوية والصاروخية المتبادلة. إلا أن النقاش المحتدم بين عواصم الأطراف، وفي داخلها، حول “النصر والهزيمة” لا يزال مستمراً. لقد اندلعت حرب روايات وسرديات لم تنته بعد، لأنها ببساطة حرب على “الصورة”، مدفوعة بعوامل داخلية دقيقة وحساسة. لكن لا “إسرائيل” حققت نصراً تاريخياً مطلقاً كما يدعي نتنياهو ورفاقه، ولا إيران سحقته أو ألحق به هزيمة كافية لـ”ردعه”، كما يردد الخطاب الإيراني الرسمي. ومن جهة أخرى، يظهر أن ترامب، شخصياً، خرج بصورة نصر واضحة أكثر من تلك التي حققها طرفا الصراع المباشر، إذ نجح في “ضبط الحرب وفق إيقاعاته” وبتوقيتاته.

لم تتحقق انتصارات كبيرة لإيران، ولم تتمكن “إسرائيل” من ردعها، مما يثبت أن المواجهة انتهت بالنقاط فقط. إيران، على الرغم من الهجمات، أطلقت الضربة الأخيرة في هذه الحرب، لكن “إسرائيل” سبق وأن أرسلت أكثر من خمسين طائرة حربية لاستهداف مواقع في إيران، تم توجيهها قبل أن تنفذ مهمتها، ما يدل على أنها لم تكن في وضع تأهلي للرد. الهجوم الإيراني على قاعدة “العديد” يمثل دليلاً على “توازنات ما بعد الحرب”، حيث جاء الضرب المدروس لقاعدة أميركية تاركاً انطباعاً بأن هناك توافقاً بين الأطراف الثلاثة، رغم أن واشنطن لم تكن ترغب في فقدان إحدى أكبر قواعدها.

لعبة القوة والجبروت الإسرائيليين ظهرت بشكل واضح خلال العامين الماضيين. وظيفة “إسرائيل” تحت قيادة نتنياهو تحولت إلى أداة تنفيذية بأيدي الولايات المتحدة، التي أبرزت تواطؤها الفاضح، مما أسفر عن تحولها إلى “دولة تابعة” تدور في فلك أميركي. وبالتالي، فإن نتائج هذه الحرب، أظهرت أن إيران تواجه مفترق طرق حساساً بين السعي لاستعادة الردع بوسائل نووية، أو الالتزام بعمليات التفاوض.

فيما يخص حزب الله، فإن توجهات طهران المستقبلية ستؤثر مباشرة على سلوك الحزب وخياراته. إن الخيارات الإيرانية الاستراتيجية ستحدد مستقبلاً دور الحزب في الصراع، مع وجود انقسام داخلي حول كيفية التعامل مع الواقع الجديد. حماس أيضاً تستعد لتحديات جديدة تترتب على النزاعات الإقليمية، مما يجعلها تفكر بعمق في استراتيجيتها المستقبلية مستفيدة من نجاحاتها السابقة.

أما اليمن، فستشهد جولات جديدة من المواجهات عقب انتهاء طهران من تداعيات حربها. لكن قرار أي تحرك استراتيجي في مواجهة “أنصار الله” قد يكون بيد ترامب أكثر من أي شخص آخر. وبالنسبة لـفصائل المقاومة الإسلامية في العراق، فإن الوضع غير ملائم لها، وباتت تعاني تحت ضغط السياسة الأميركية في ظل تناول شعارات “العودة إلى الحضن العربي”.

تغيرت موازين القوى في الإقليم، بينما لا يزال الحل الشامل بعيد المنال. فالجميع بحاجة إلى مراجعات لتقييم سياساتهم وممارساتهم، فالحرب لم تنتهِ بعد، ولا تلوح في الأفق بوادر لحل شامل يلبي تطلعات شعوب المنطقة. * مير مركز القدس للدراسات السياسية.