آثار ‘الغلة’ في أم القيوين تكشف عن عمق الحضارة البشرية بالمنطقة

* التنقيب الأثري: مفتاح لفهم الجذور الحضارية للإمارة

شهد موسم التنقيب الأثري في جزيرة الغلة بإمارة أم القيوين لعام 2025، مجموعة من الاكتشافات الهامة التي أدت إلى توفر معلومات تاريخية جديدة، مما يعيد تشكيل الفهم السائد حول الموقع الأثري، ويبرز أهميته الاجتماعية والاقتصادية والتجارية.
وأكد الشيخ ماجد بن سعود بن راشد المعلا، رئيس دائرة السياحة والآثار بأم القيوين، لوكالة أنباء الإمارات «وام»، أن المواقع الأثرية في الإمارة تمثل جزءاً لا يتجزأ من الهوية التاريخية والوطنية لدولة الإمارات. وشدد على التزام الدائرة بحماية وتوثيق التراث الثقافي عبر أعمال التنقيب التي تُعتبر ركيزة أساسية لفهم الجذور الحضارية للإمارة.
وأشار الشيخ ماجد بن سعود إلى أن الاكتشافات الحديثة في جزيرة الغلة تُشكل خطوة نوعية في تسليط الضوء على عمق الاستيطان البشري في المنطقة، وتظهر نمط الحياة المتكامل الذي كان يعيش فيه السكان. وقد غيّرت المعطيات الجديدة النظرة إلى الموقع، حيث لم يعد مجرد تلة صغيرة بل مجتمعًا متطورًا استثمر موارده الطبيعية بكفاءة.

نتائج جديدة

أظهرت نتائج موسم 2025 أن الموقع الأثري يمتد على مساحة تقدّر بحوالي 0.60 هكتار (6000 متر مربع)، وهو ما يزيد عن التقديرات السابقة بأربعة أضعاف، والتي كانت حوالي 0.15 هكتار (1500 متر مربع).
وتشير الأدلة إلى أن الموقع كان يحتوي على قرية تعود إلى العصر الحجري الحديث، عاشت فيها مجموعة من 100 إلى 120 شخصًا، ما يدل على وجود مجتمع مستقر ومنظم.
توضح الاكتشافات أن جزيرة الغلة عرفت مرحلتين رئيسيتين من الاستيطان شبه المستمر خلال الفترة ما بين 4500 و3300 قبل الميلاد.
تعود المرحلة الأولى للفترة بين 4500 و3800 قبل الميلاد، بينما ارتبطت المرحلة الثانية بعظام حيوان الأطوم (بقر البحر) التي تعود إلى ما بين 3500 و3300 قبل الميلاد.
كما تم اكتشاف تركيب أثري فريد لحيوان الأطوم، يتمثل في مصطبة حجرية بطول 10 أمتار وارتفاع نصف متر تقريبًا، شُيدت باستخدام حوالي 40 عظمة من هذا الحيوان، ويُعتبر هذا التركيب الأثري الوحيد من نوعه والمعروف عالميًا لتلك الفترة الزمنية.
تشير المكتشفات الأثرية والأدلة التاريخية الحديثة في جزيرة الغلة أيضًا إلى مدى تطور الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية والتجارية لسكان الجزيرة. ومن بين ما تم العثور عليه مؤخراً، تسع لآلئ، مما يعكس الأهمية الاقتصادية للجزيرة كأحد أبرز مراكز صيد اللؤلؤ خلال الألف الخامس قبل الميلاد.
كما عُثر على بقايا عظام لأسماك متنوعة مثل السبيطي والجش الكبير والشعري الشخيلي وغيرها، مما يدل على تنوع النظام الغذائي البحري آنذاك ويؤكد مهارات السكان المتقدمة في صناعة القوارب وصيد الأسماك.
بالإضافة إلى ذلك، أظهرت الأدلة استئناس السكان حيوانات مثل الأبقار والماعز والأغنام لاستخدامها في إنتاج الحليب، بالإضافة إلى تربية الكلاب التي يُرجح أنها استُخدمت للصيد والحراسة.

محطة هامة

يشكّل موقع الغلة نقطة وصل حيوية في شبكة التبادل والتواصل التجاري الإقليمي، ويعكس الموقع الاستراتيجي للجزيرة انفتاحها على الحضارات المجاورة عبر العصور. وتشير الأدلة الأثرية الحديثة إلى العثور على سنارات صيد ذات تقنيات تصنيع متميزة تُنسب إلى شمال عُمان، بالإضافة إلى كسر فخار من بلاد الرافدين.
بدأت دائرة السياحة والآثار أعمال البحث العلمي والتنقيب الأثري في جزيرة الغلة ضمن حملة أثرية استراتيجية استمرت على مدار موسمين خلال عامي 2024 و2025، بالتعاون مع البعثة الفرنسية. وتم إنجاز الموسم الأول من سبتمبر/أيلول إلى أكتوبر/تشرين الأول 2024، بينما تم تنفيذ الثاني في إبريل/نيسان ومايو/أيار الماضيين، مما جعل المشروع نقطة محورية في إعادة قراءة تاريخ جزيرة الغلة بصفته موقعًا أثريًا ذي أهمية حضارية في الخليج العربي.